
ظلت تعد دولة متقدمة على مستوى محيطها الأفريقي لتوافرها على شبكة اتصالات سلكية متطورة إضافة إلى طرق ومواصلات بما فيها التلفريك
محمود أبو بكر صحافي مختص في شؤون القرن الافريقي
الأربعاء 19 فبراير 2025

يمكن توفير الإنترنت بتكاليف باهظة تتعدى مبلغ الـ500 دولار أميركي شهرياً مما يصعب على العامة الاستفادة من هذه الخدمة (أ ف ب)
ملخص
تنوعت ردود الفعل بين من يعتبر ذلك تضييقاً متعمداً لأهداف أمنية وسياسية، ومن يعتبره تأخراً عن مواكبة نتائج الثورة التكنولوجية التي تربط العالم وتجعل منه قرية صغيرة!
من يزور إريتريا يشعر بأن عقارب الساعة توقفت عند بدايات تسعينيات القرن الماضي، إذ لا يزال المواطنون يلجأون إلى نشر ملصقات في الشوارع للإعلان عن الوفيات أو المناسبات الاجتماعية، في حين لا يستخدمون هواتفهم الجوالة إلا لإجراء اتصالات هاتفية. أثارت فيديوهات نشرها عدد من المدونين والمشاهير العرب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد زيارتهم للعاصمة الإريترية أسمرة، جدلاً واسعاً في الميديا العربية، لجهة ما نقلوه عن هذا البلد الواقع في الشرق الأفريقي بمحاذاة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.
إذ ركز أغلبهم إلى جانب المشاهد الطبيعية الخلابة، على نقطة مهمة ولافتة تتمثل في انعدام شبكة الإنترنت بصورة شبه كاملة عن البلاد، فباستثناء نظام الـ wifi المحدود، لم تمنح الحكومة الإريترية حتى اللحظة أي تراخيص لشركات الاتصال المحمول لربط الشبكة بالهواتف الجوالة.
إذ لا يزال الإريتريون يلجأون إلى مقاهي الإنترنت للحصول على الخدمة، في حين تعمل شركة Eri tel المملوكة للحكومة على توفير خدمة الاتصال فقط، ولا تتمتع بخاصية ربط الموبايلات بشبكة الإنترنت.
مما أثار الكثير من الاستغراب لدى عددٍ لافت من المتابعين العرب والأجانب، وتنوعت ردود الفعل بين من يعتبر ذلك تضييقاً متعمداً لأهداف أمنية وسياسية، وبين من يعتبره تأخراً عن مواكبة نتائج الثورة التكنولوجية التي تربط العالم وتجعل منه قرية صغيرة!
وعلى رغم أن إريتريا تاريخياً ظلت تعد دولة متقدمة على مستوى محيطها الأفريقي، بخاصة في فترة الاستعمارين الإيطالي والبريطاني، لجهة توافرها على شبكة اتصالات سلكية متطورة، قل نظيرها في تلك الفترة بمنطقة القرن الأفريقي، إضافة إلى شبكة طرق ومواصلات بما فيها التلفريك الذي كان يربط العاصمة الإريترية بالميناء البحري مصوع، والذي شيد في بداية ثلاثينيات القرن الماضي لنقل البضائع من الميناء إلى العاصمة، فضلاً عن شبكة القطارات التي ظلت تربط المدن الإريترية عبر طرق جبلية شائكة، إلا أن جلاء البريطانيين وخضوع إريتريا للاحتلال الإثيوبي منذ 1962، ثم اندلاع حرب التحرير أسهما في تراجع التنمية وانهيار اقتصاد البلاد التي استقلت في بداية تسعينيات القرن الماضي.
ولم يمثل الاستقلال الذي تحقق بعد حرب دامت ثلاثة عقود كاملة، بداية حقيقية لإحداث تنمية مستدامة بخاصة على مستوى الخدمات الأساسية، إذ دخل النظام الحاكم في عدة مناوشات مسلحة مع جيرانه: اليمن - السودان، ثم حرب مع إثيوبيا، مما أسهم بصورة واضحة في تراجع الخدمات الأساسية إلى جانب انهيار الاقتصاد نظراً لخضوعه المطلق لسيطرة الحزب الحاكم، وغياب دور القطاع الخاص، فضلاً عن تعرض البلاد لعقوبات اقتصادية ومالية، لأكثر من عقد ونصف من الزمن.

شبكة قطارات ظلت تربط المدن الإريترية عبر طرق جبلية شائكة (أ ف ب)
نظام مغلق
وبالعودة لأسباب اقتصار خدمة الإنترنت على المقاهي وبعض المؤسسات في البلاد، يرى مراقبون أن ذلك عائد لطبيعة النظام الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال، إذ يعد من أكثر الأنظمة انغلاقاً على الصحافة ووسائل الإعلام عموماً، ذلك في ظل انعدام تام للصحافة المستقلة، منذ إغلاق سبع صحف مستقلة في عام 2001، بذريعة تجاوز وظيفتها الإعلامية. وكشف موقع "داتابورتال" الدولي، أن نسبة الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت في إريتريا بلغ 78.3 في المئة من مجموع السكان في عام 2023، وإضافة إلى انعدم توافر الخدمة بشكل واسع، ثمة إشكالية أخرى تتعلق ببطء شبكة الـ Wi-Fi حتى في الأماكن المصرح لها بتقديم الخدمة، مما يصعب إجراء أي اتصال عبر شبكة الإنترنت فضلاً عن حجب موقع "يوتيوب" للفيديوهات داخل البلاد.
ويؤكد ناشطون إريتريون أن الانتفاضات التي شهدتها بعض الدول العربية عام 2011 ضاعفت من مخاوف النظام تجاه مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها السياسي.
فقد ألغى في العام ذاته خططاً كان يعتزم بموجبها تزويد مواطنيه بخدمة الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، وذلك وفق اتفاق تم التوصل إليه مع شركة اتصالات من دولة جنوب أفريقيا، وتم تبرير ذلك بإحباط المخططات الخارجية التي تستهدف أمن البلاد، بخاصة وأن معظم المعارضين للنظام مقيمون في المهجر، ومن ثم فإن النظام يسعى إلى عزل مواطنيه عن التأثيرات السياسية التي تبثها المعارضة، بحسب ما يذكر ناشطون إريتريون.
وكشف تقرير لمنظمة "صحافيون بلا حدود" أن مقاهي الإنترنت في العاصمة الإريترية أسمرة يبلغ نحو 42 مقهى، مبيناً أن الرقابة معممة على الشعب بأسره وأن عدة خدمات من بينها Skype باتت محظورة. وأوضح التقرير أن المقاهي الإلكترونية تشكل نقاط الولوج الوحيدة للإنترنت تقريباً، وتعتبر مواقع خطرة للمعارضين والمخالفين بسبب الرقابة الأمنية المشددة على الأماكن العامة.

نسبة الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت في إريتريا بلغ 78.3 في المئة من مجموع السكان في عام 2023 (أ ف ب)
توقف عقارب الساعة
من جهته، وثق مدوّن زار البلاد في الفترة الأخيرة، معاناته مع بطء الشبكة في المقاهي المخصصة للاتصال، مؤكداً أن الزائر قد يشعر أن عقارب الساعة قد توقفت عند بدايات تسعينيات القرن الماضي، إذ لا يزال المواطنون يلجأون إلى نشر ملصقات في الشوارع للإعلان عن الوفيات أو المناسبات الاجتماعية، في حين لا يستخدمون هواتفهم الجوالة إلا لإجراء اتصالات هاتفية.
بدوره، يرى اليوتيوبر الإريتري المقيم في السويد أبو بكر حمد، أن ثمة نوعين من الخدمة تقدمها هيئة الاتصالات الإريترية، لاستخدام شبكة الإنترنت الأولى تتعلق بالخدمة العامة المقدمة لمقاهي الإنترنت، وهي ضعيفة نسبياً ولا تمكن المستهلكين من تحميل مواد عالية الجودة أو مشاهدة مقاطع الفيديو، أما الخدمة الثانية فتتعلق بخدمة الـ wifi الخاصة، التي يمكن توفيرها بتكاليف باهظة تتعدى مبلغ الـ500 دولار أميركي شهرياً، مما يصعب على العامة الاستفادة من هذه الخدمة الباهظة الكلفة، وبالتالي بات مقتصرة على طبقة بعينها، ويتضاعف المبلغ إذا كانت الخدمة مقدمة للمؤسسات التجارية ووكالات السفر، وغيرها من الجهات.
بدائل ممكنة
ويؤكد أبو بكر أنه كصانع محتوى، يعاني في سبيل إيصال رسالته للداخل الإريتري في ظل حظر موقع "يوتيوب" وضعف الشبكة، مما يضطره أحياناً للجوء لبعض القنوات الفضائية التي تبث برامجها من الخارج لإعادة نشر المحتوى الخاص به، وذلك لضمان إيصال محتواه للمشاهدين الإريتريين في الداخل، إذ لا يزال التلفزيون يحتل موقع الصدارة من حيث المتابعة في أوساط إريتريي الداخل.
أما البديل الثاني الذي يلجأ إليه البعض بحسب أبو بكر، هو تحميل محتوى "يوتيوب" في الخارج، وبعثه عبر الوسائط المتاحة مثل "واتساب" وغيرها من التطبيقات. وعلى رغم خطورة هذه الخطوة فإنها تظل خياراً بديلاً، إذ تنتشر المقاطع بين الناس بهذا الشكل، بخاصة في العاصمة أسمرة، حيث يتبادل الناس مقاطع قصيرة من المحتوى الذي ينشر في الخارج، ويتضمن رؤى نقدية معارضة للنظام الحاكم الذي يُطبق بقبضته على كل شاردة وواردة. المصدر ....>>>>>
Комментарии